Arabic

#لعلها_تفيد – الحلقة الخامسة: رفاق العمل ورسالة الماجستير

في البداية أود أن أذكر للفائدة أنه لا يوجد أسوار للكليات – على الأقل ما رأيته في الخارج – كما هو الحال في بعض دول العالم الثالث. يمكنك دخول أغلب المباني الجامعية ببطاقة الكلية.

عندما انضممت للمجموعة البحثية في جامعة منيسوتا كانت عبارة عن الأستاذ واثنان من الباحثين ما بعد الدكتوراة و٦ طلاب منهم أربعة كوريين وواحد هندي وواحد مصري (العبد لله)
التواصل مع الأستاذ والطالب الهندي كان سلسا لكن الجماعة الكوريين الجدد كان التواصل معهم شئ في منتهى الصعوبة ولغتهم الإنجليزية لا تسعف على الفهم. وسبب هذا لي مشكلة كبيرة مع كبير الطلاب آنذاك ولم أكن أريد أن أظهر بشكل سئ أمام مشرفي فاعتذرت للطالب وأرسلت له حينها رسالة مفادها أنه ربما مع الوقت تنمو صداقتنا ونتفاهم بشكل أفضل. وبالفعل حتى الآن هذا صديقي الأقرب في المجموعة ويعمل معي في نفس الشركة الآن وقد ساعدته – بحمد الله – عندما قدم للعمل في الشركة وكتبت له توصية ممتازة.
عاطفتنا كبشر تأبى أحيانا أن نعتذر إلا إذا اقتنعنا بكوننا مخطئين ولكن أحيانا بسبب سوء التواصل تحدث مشاكل لا يمكن الجزم فيها بموقع الخطأ والأفضل أن تقوم بفعل ما من شأنه تحريك العجلة والمياه الراكدة من جديد وتنحي العواطف السلبية جانبا. التغافل عن خطأ الغير والاعتذار أحيانا يمكن اعتمادهم من ضمن الوسائل الجيدة في استمرار العمل طالما ما نعمله له قيمة تستحق.
كذلك أود أن أنوه أن التواصل تحدياته أكبر من مجرد اللغة ولكن ذلك يشمل أشياء أخرى مثل التمازح (لن تفهم مزاحهم ربما في البداية) والغضب وغيره من المشاعر. فكل شعب يعبر بشكل مختلف نوعا ما. فلا تتعجل الحكم واعذر غيرك حين لا يفهمك.

كذلك في أي فريق عمل تقابلنا كثيرا مواقف نتصرف فيها بشكل عاطفي سلبي وأحمق أحيانا ولكن العقل والتروي يقول لك أن هذا العمل نبيل ومن شأنه نفعك وغيرك، فتعامل بحرفية ونحي العاطفة جانبا. فحتى وإن لم تحب عضو في فريق العمل هذا ليس معناه أن تتصابى ويكون رد فعلك كالأطفال “مش لاعب” 🙂
تذكر .. الحرفية والجلد في العمل من أسس نجاح عملك كفرد أو في فريق.
وَمِمَّا يسعف في المواقف الحرجة وتجاوز الضغوط أحيانا هو التفكير في قاعدة الخمس سنوات. اسأل نفسك: هل سيحدث هذا الموقف معي أثرا بعد سنة؟ سنتين؟ خمس سنوات؟ والإجابة عادة تكون “لا”. إذن لا تخاف من فعل ما هو صحيح حتى لو سبب لك حرج مؤقت. مع الأسف البعض تنقح عليه أوهام “الكرامة” الزائفة ويسارع بالتصرف الأحمق فيخسر كثيرا من أجل أوهام نفسية.

بعد التحاقي بالفريق بحوالي أسبوع طلب مني المشرف أن أقوم بعرض ما قمت به في مرحلة الماجستير. وشرحت في أول لقاء جوانب من عملي في رسالة الماجستير ومسببات وأعراض أمراض النوم وكيف استخدمت المنطق المبهم لاستكشاف المرض وتصنيفه. ما أسعدني هو أن المشرف والطلاب تعجبوا من أني قمت بهذا العمل بشكل كامل وأنه ليس عمل مشترك ما بين أكثر من طالب ماجستير. سعدت بهذا التعليق لأَنِّي أذكر أن أساتذة اللجنة عند مناقشة الماجستير في جامعة القاهرة كان لديهم نفس التعليق.

سأختم للفائدة حديثي هنا بذكر تفاصيل عن الماجستير. كان الموضوع متعلق باستكشاف أمراض النوم وتحديدا توقف التنفس أثناء النوم. معظمنا أكيد رأى شخصا يشخر أثناء نومه. كيف يحدث صوت الشخير؟ في الغالب مجرى التنفس يضيق قليلا ليكون مثل الصفارة فإذا مر فيه الهواء أصدر تلك السيمفونية المزعجة 🙂
بعض الناس – وعددهم كبير وقد لا يعرفون – تتراخى عندهم عضلة مسؤولة عن فتح مسار التنفس لدرجة أن المسار نفسه يغلق. في هذا الحالة يتوقف سريان الهواء إلى الرئة ويقل الأكسجين في الدم وينتبه المخ فيوقظ الشخص.
معنى ذلك أن الشخص أثناء النوم ممكن يتعرض لحلقات زمنية ربما تتجاوز ١٠ ثوان لكل ساعة نوم يتوقف فيها التنفس ويستيقظ لا إراديا لشهق بعض الهواء.
تخيل أنك أردت النوم ٦ ساعات متواصلة وأني أيقظتك مرة كل ساعة فهل جودة نومك كمن نامها متواصلة؟ بالطبع لا.
تجد أولئك الأشخاص كثيروا الصداع وقد ينام وهو في العمل أو ربما الأخطر أثناء قيادة السيارة وأكثر عرضة من غيره لأمراض القلب وغيرها.
للأسف كثيرون لا يعلمون أن عندهم هذا المرض. ومن يعرف عليه الذهاب لما يسمى معمل النوم ويبيت فيه بضع ليال ويتم قياس إشاراته الحيوية (حوالي ١٢ إشارة أو أكثر وتشمل المخ والقلب والتنفس والعضلات .. الخ) من خلال أجهزة متشعبة الأسلاك ناهيك عن التكلفة الكبيرة لهذه المعامل المتخصصة. كل تلك الإشارات تدخل على الكمبيوتر ويتم استخدامها لاستكشاف المرض وعدد النوبات التي حدثت للشخص من خلال برامج متخصصة غالية الثمن.
كان البحث يدور حول كيفية استكشاف المرض باستخدام جهاز بسيط يمكن للمريض استخدامه في منزله ويسجل ٣ إشارات فقط وليس كلها وبالتالي تقلل عدد الأسلاك ويسهل الاستخدام. كما يجب تطوير خوارزميات يمكنها استخدام تلك الإشارات الثلاثة لاستكشاف وتصنيف المرض.
بدأت حينها بعمل الخوارزميات باستخدام المنطق المبهم وكانت د. شهيرة لوزة تمدني بإشارات من تم دراستهم في معملها لكي اختبر مدى دقة ما طورته مقارنة بالسوفتوير الذي تستخدمه. وفي نهاية السنة الأولى تم – بتوفيق الله – تطوير خوارزم يستخدم فقط ٣ إشارات ويصل لنتائج أدق ويستكشف نوبات لم يستكشفها السوفتوير المستخدم.
ثم عكفت على تعلم بعض الأشياء التي تتعلق بكيفية تطوير الهاردوير المطلوب وكان د. هشام حامد يساعدني فيه وله فضل كبير في تعلمي لكثير من الأشياء في هذا المجال. لم أكمل عمل الهاردوير لكن ناقشت تصميمه وجدواه. كان علي التوقف لتجهيز أوراق سفري لمنيسوتا ومشرفي تفهم ذلك وقرر أن هذا العمل يكفي لمتطلبات الماجستير.
الحقيقة أن ربنا أكرمني بمشرف متميز – د. أحمد مرسي – كنّا نتناقش تقريبا بشكل أسبوعي وهو من عرفني بالدكاترة السابق ذكرهم. وكان نعم العون ونعم المفجر للأفكار 🙂
أذكر مفهوما لطيفا تعلمته منه، وهو أننا في بداية مشوارنا البحثي كمن معه كشاف ضوء وأمامه طريق متعرج لا يرى منه إلا بقدر ما يصل الضوء. علينا أن نسير بخطوات ثابتة نحو منتهى الضوء ثم نقرر بناءا على ما نراه هناك. وكلما زادت بصيرتنا وخبرتنا زاد منتهى الضوء واستطعنا رؤية المزيد والمشي نحوه بثقة أكبر.

فاللهم بارك لوالديّ ولكل من علمني ووجهني
والحمد لله رب العالمين

#لعلها_تفيد – الحلقة الرابعة: بدايات المعيشة

إذا كنت شخصا اجتماعيا فأنت بالطبع تدرك أهمية الصحبة وخاصة أولئك الذين حفروا مكانا في قلبك .. فحتى وإن باعدت بينكم الأماكن وقل السؤال ستجدهم الأقرب لك وقت الشدة وأنت كذلك.

من مميزات السفر أنك ستصنع المزيد من هؤلاء لكن ما يزيدهم في السفر قربا أنهم في نفس موقعك ويشاركونك الطموح والعمل. حاول أن تخرج من تجربة السفر بحفنة من الرجال المخلصين الراقين .. فهذا مكسب كبير.

المعيشة والصحبة مرتبطين بشدة، وسأركز هنا على المعيشة بمعناها الأعم. والآن إليك بعض ما ستحتاج معرفته بالنسبة للمعيشة:

أولا عليك دراسة سبل المواصلات في المكان الجديد حتى لا تقع في خطئي أول صلاة جمعة. كان المسجد بعيدا – اكتشفت لاحقا أن هناك مسجد آخر أقرب لي – ومن جهلي بالمواصلات اضطررت للمشي قرابة ساعتين حتى أصل للمسجد. أذكر أنني لم ألحق الصلاة بسبب ذلك.
المواصلات في أي مدينة جامعية في العادة يكون للطالب فيها مزايا. فشبكة الأتوبيسات حينها كانت باشتراك كل فصل ومخفضة للطلبة. في ميشيجان كانت كل الأوتوبيسات مجانية. كما أن الاوتوبيسات المتنقلة بين أطراف الجامعة مجانية.
من الضروري أن تحاول اقتناء خريطة للمدينة وبالذات تلك الموضحة لخطوط ومواعيد الأتوبيسات. أظن في وقتنا الحالي يوجد تطبيقات للهاتف بها كل تلك الخرائط ويمكنك تتبع أقرب أتوبيس.

بعد أول صلاة جمعة كان في مقابل المسجد محل يدعى “الأرض المقدسة” .. لا تتخيل فرحة مغترب جديد برؤية البقالات التي بها ما تفتقده من أكل وشرب وبضاعة .. تتسوق وكلما وقعت عينك على أحد تجد “السلام عليكم” لها لذة لم تشعر بها في بلدك. بالمناسبة يوجد موقع اسمه “ذبيحة” (مصادر) ويمكنك من خلاله استكشاف أقرب تلك البقالات والمطاعم كذلك.

كان علي المشي ساعتين للرجوع فاشتريت ما تيسر لي حمله. طبعا تعلمت بعدها سبل المواصلات وربنا أكرمني بأصدقاء معهم سيارة وعرضوا علي أن أذهب معهم في وقت التسوق فيما بعد. هذه الجمايل ربما تراها صغيرة لكنها في عين الجديد كبيرة وما زلت أحملها لهم حتى الآن.

كنت أحيانا كذلك آخذ مع صديق لي الأتوبيس للسوبرماركت للتبضع وكان فعلا بدون سيارة الأمر شاق خاصة في درجات حرارة ٢٥ تحت الصفر وما تحتها. الأمر الآن أسهل لأنه يمكنك تحميل تطبيق على الهاتف واستخدام خدمة جديدة من أمازون (prime now) أو غيرها من خدمات التوصيل التي لم تكن متاحة آنذاك.

لم أمتلك سيارة في أول عام ونصف لي ولكن عند شرائي للسيارة قررت بعدها أن أي طالب جديد سيأتي سأستقبله في المطار وقبل السكن لابد من أن أعزمه على أكله عربية وأتسوق معه إن شاء.

عندما تنوي شراء سيارة حاول تعثر على طالب انتهى من دراسته وقرر المغادرة. أو ممكن تستخدم موقع كريجزليست (مصادر). أنا شخصيا كنت جرئ حبتين واستخدمت موقع إيباي (مصادر) واشتريت السيارة في مزاد بسعر ١٥٠٠ دولار. حالتها طبعا في الضياع لكنها تسير على أربع 🙂
جدير بالذكر هنا أنك إذا كنت في المكان يسقط فيه الثلج فاحذر أن تشتري سيارة من ذوات الدفع الخلفي. اشتر دفع أمامي أو رباعي فقط. طبعا من جهلي اشتريت سيارة دفع خلفي وكنت على وشك عمل حادثتين. ولكن الله سلم.

بالنسبة للأكل ستكون التونة صديقك الصدوق ولعل نتائج تحاليل الدم بعد ٣ أشهر يظهر فيها أسماك تونة صغيرة 🙂 لكن أنصح بشكل عام البعد عن التونة قدر المستطاع لما فيها من المخاطر نتيجة للتلوث. ممكن تعيش على البقوليات ومنتجات الألبان وحاول تطبخ مرة كل نهاية أسبوع وتخزن الأكل وعليك بصديقك المايكروويف.

بالنسبة للعفش أو الأثاث فموقع كريجزليست سيساعدك وفيه حاجات مستعملة لقطة. حاول كذلك تترقب إعلانات ما يسمى بتخفيضات الجراج “Garage sale” لأن عائلات كثير تغادر مكانها وتقوم ببيع أثاثها بسعر رخيص جدا وأحيان مجانا. يمكنك في أي نهاية أسبوع استئجار سيارة نقل (من شركة يوهول U-haul مثلا) وتمر على من يريد بيع أثاثه وتختار وتحمل على السيارة ومع نهاية اليوم يمكنك فرش غرفتك بالكامل من أول المرتبة وحتى المايكروويف.

لن تحتاج مكتب لأن معظم وقتك ستقضيه في مكتبك بالجامعة أو المكتبة. سترى كثير من الطلاب كذلك يذاكرون على المقاهي مثل ستاربكس وغيره.

طبعا البعض سينتقل إلى مدن تتساقط فيها الثلوج وينبغي عليه الاستعداد لذلك .. في منيسوتا كانت أحيانا تصل الحرارة إلى ٤٠ تحت الصفر. لو نسيت طعام في سيارتك سترجع لتجده متجمد. سيكون عليك التحضير جيدا وستعتمد على معطف يمكنه تدفئتك جيدا. في حدود نوفمبر يكون هناك موسم تخفيض ضخم في أمريكا ويمكنك شراء معطف بمبلغ ٢٠٠ دولار كان ممكن تشتريه بمبلغ ٥٠٠ دولار في غير الموسم. فحاول تعرف مواسم التسوق جيدا خاصة عند شراء الأشياء الغالية.

طبعا لا أحتاج أن أقول لك أن حركتك ستقل في الشتاء القارس وستأكل كثيرا فستكون النتيجة كائن آخر يسكن بداخلك يسمى الكرش العظيم. حاول تتريض وتعمل مجهود قبل الكارثة.

في جزء البقالة ومشتريات الأكل والشرب يوجد تخفيضات وعروض مميزة وكوبونات يمكنك بسببها توفير الكثير من المال. ستفاجئ بشئ قد اشتريته أمس بدولار فأصبح بنصف دولار والعكس. السوق الأمريكي في غالبيته متغير السعر كل يوم حتى أسعار البنزين (اسمه جاز هنا) تتغير يوميا ومن محطة لأخرى.

<السكن في المسجد>
بعد ما سكنت في الغرفة الأولى أربعة أشهر كانت حالتي النفسية سيئة وتعرفت في البداية على ٣ شباب رائعين مكافحين – ما زلنا نتواصل حتى الآن من حين لآخر – وارتبطنا ببعض بشكل كبير. وكان اثنين منهم أقرباء يسكنون معا في غرفة داخل منزل له قصة ومعزة خاصة عندي. المنزل يملكه أحد المصريين القدامى في المدينة وقد جعل نصفه مسجد ويحتوى معظم الطابق الأول وبقية غرف المنزل كان يؤجرها بسعر رخيص للطلاب المسلمين. الحقيقة أني كنت أتمنى لو أن أحد تلك الغرف يتاح للسكن ولكن سبقني لها كثيرون.
في الفصل الدراسي الثاني قرر أحد صديقاي المغادرة وسألته إن كان يمكنني استئجار نصف الغرفة بدلا منه. وقد كان.
وكانت من نعم الله علي أن أسكن في هذا المنزل وبجانبي (في الغرفة المجاورة) المسجد. كنت في أي وقت أشعر بالضيق أجلس فيه وأحيانا أذاكر ويغلبني النوم هناك. كانت غرفتنا متواضعة وبها مرتبة (وليس سريرا) لكل واحد منا تم وضعها على الأرض مباشرة.

الآن وبعد ١٠ سنوات كلما شغلتك الحياة بعجلتها وساقيتها تتذكر تلك الحياة البسيطة ولحظات السعادة التي كنت تشعر بها من أبسط المواقف والنعم. عندها تدرك أن الشقاء الحقيقي هو أخذ النعم وكأنها مسلمات.

سأختم هذه الحلقة بحديث مختصر عن المسلمين في منيسوتا. ستفاجئ إذا قلت لك أن هناك جالية صومالية ضخمة لدرجة أن لهم مساجد يخطبون فيها باللغة السواحيلية. المساجد كانت ملتقى لنا لنتعارف ونشد أزر بَعضنا البعض.
كان هناك شيخ من مصر يحفظ الشباب القرآن ومعه إجازة وكان من أسعد أيامي وأنا أحضر زيارة الشيخ المعصراوي – شيخ عموم المقارئ المصرية – لنا وكان يتلو عليه بعض المسلمين من غير العرب القرآن في احتفال جميل.

شهر رمضان كنّا – مجموعة الطلاب – نفطر في المسجد سويا حيث ينظم المسجد إفطار يومي وأحيانا كنّا نفطر في الجامعة مع اتحاد الطلاب المسلمين.

المسلمين في الغربة من أجمل المجتمعات التي تنخرط فيها .. ما حلاوة تلك التعددية في اللون واللغة وكلنا نصلي لله رب العالمين. وما حلاوة هؤلاء الذين لا يتقنون العربية ويحاولون بكل جهد نطق آيات الله فإذا قرأت معهم بكوا قائلين “هذا لسان عربي مبين” ويتمنون لو كانوا يتقنون لغة القرآن.

للمسجد والمجتمع المسلم حكايات كثيرة سيأتي ذكرها في وقتها خاصة في ميشيجان وكاليفورنيا.

مصادر:
١) موقع كريجزليست
سينفعك عند شراء السيارة والعفش المستعمل
craigslist.org
٢) موقع إيباي
يمكنك تحصيل أسعار ممتازة للإلكترونيات وغيرها بالسعر المباشر أو المزاد
http://ebay.com/
٣) موقع ذبيحة
مصدر جيد لبعض محلات التسوق والمطاعم
https://www.zabihah.com

#لعلها_تفيد – الحلقة الثالثة: لحظات التعلم الأولى

عادة قبل بداية الدراسة يكون هناك ندوات توجيهية لمعرفة أهم ما تريد الجامعة منك معرفته. وهذه الندوات في غاية الأهمية فحاول قصارى جهدك حضورها بنفسك.
الندوة الأولى كانت للطلاب القادمين من الخارج وركز جانب من المحاضرة على مصطلح مهم عن الغش العلمي وهو “plagiarism” وفي ذلك الحين لم أكن أعرف المصطلح ولكن فوجئت بجدية المتحدث وقال من خبرته أن الطلاب القادمين من عدة دول لا يلقوا لذلك بالا ولكنه سبب مشاكل كثيرة في الأبحاث ويمكن فصل الطلاب بسببه.
الندوة الثانية كانت تتحدث عن الصدمة الحضارية ومراحلها الأربعة المعروفة. ما أذهلني هو طبيعة المحاضرة والدقة العلمية في تحليل المنحنى الزمني الخاص بمراحل الألم والتأقلم مع المعيشة الجديدة. عرضوا حينها فيديوهات لطلبة وهم في بداية انضمامهم ثم حين حدوث الصدمة ثم بعد زوالها. شئ مذهل.
المنحنى كان يظهر أن قمة الصدمة تكون في حدود الشهر الثالث. وبالرغم من أني في لقاء مع المحاضر ذكرت له أني لا أشعر بأي غربة والحياة هنا سلسة وخلاف ذلك إلا أنه قال لي ما معناه “كلهم يقولون ذلك في البداية”.
بالفعل في الشهر الثالث بدأت أشعر بكل شئ يتراكم فوق صدري لكن إضافة لألم الغربة والصدمة الحضارية كان عندي آلام أخرى شديدة أحدها كثر التفكير في مصيري إذا لم يقم المشرف بدعمي وأحدها خاص بالكورسات التي مع سهري على مذاكرتها وقلة نومي إلا أني كنت مرعوب لأن بعض زملائي في الفصول كان يظهر لي أن ما نأخذه شئ غير جديد لهم مع سرعة استيعابهم لأي جديد. فكنت أخشى من التقدير النهائي وعواقب أني غيرت تخصصي للهندسة الكهربية.

عشت هذا الرعب أربعة أشهر كاملة هي ربما الأكثر قسوة في حياتي حتى الآن ومع ذلك لم أشارك مخاوفي مطلقا ولم أشك لبشر منها. وكان لسان حالي كما قال أحدهم:
بعثرتني ذات حـــــــــــــــزنٍ .. لوعةٌ عاثت بجــفني
ألهبت صبري وزادت .. من همومـــي فوق همي
كل شيءٍ بات يشكـــــــــــو .. من هُزالي غير أني
قاصرٌ عن وقف دمعي .. تائهٌ عن وصف حالي
إنني وحـــــــــــــــــدي إلهي .. فلتكن أرجوك قربي
متعــــــــبٌ يا ربي فأرحم .. حالتي ولترضى عني
كي تعود الروح تســـــــلو .. وليُروى زهر سعدي
إن تكـــــــــن راض فحسبي .. أن ربي قد رعاني

مع قسوة تلك الأشهر إلا التذلل لرب العباد دون العباد كان أمتع ما فيها. لعلك تسأل لماذا أذكرها الآن؟

حتى يعلم الطالب الجديد أنه سيأتي وقت يعتصر قلبك فيه الهم والغم .. في ذلك الحين حاول أن تتماسك بكل ذرة قوة وإيمان وتذكر هدفك ودع عنك كل ما ليس لك به تحكم.. فليكن الدعاء والخلوة والعمل حلفائك .. وربنا سيكرمك بدون ذرة شك .. ومن رزق واسع كتبه لك لكن أنى لك أن تعرفه. ورسالة لأصدقائك وأهلك ليعلموا أن كل مغترب للرزق هو أضعف مما قد يبدو عليه وعلى الجميع دعمه ولو بالكلمة الطيبة.

نرجع لكورسات الفصل الدراسي الأول وهذا الجزء موجه لمن سيعمل في تصميم الدوائر والنظم الدقيقة.
الكورس الأول كان عن تصميم الدوائر الأنالوج المدمجة وكان من يدرسه دكتور هندي – عزيز علي وصديق حتى الآن – اسمه راميش هارجاني. شخصية رائعة مع أن متوسط الدرجات عنده حينها كان ٣٠٪�!! يعني تجد من يحصل على ٥٠٪� هو أحسن طالب في الفصل 🙂 حاجة تعقد. الكورس كان مثل ساندويتش الديناميت .. دسم جدا لدرجة أن في نهاية الكورس أخذنا محولات الأنالوج لديجيتال.
صداقتي بدكتور هارجاني نمت بسبب أني كنت لا أفوت أي ساعة مكتبية له. حتى لو لا يوجد عندي سؤال كنت أستمع لأسئلة غيري محاولا الاستفادة قدر الإمكان. وساعتها عرفت مقدار القصور الذي عندي وحزنت بشدة لكني اجتهدت قدر الإمكان في القراءة وعمل الواجبات.

الكورس الثاني كان متعلق بالصناعات الدقيقة ودرست فيه الطرق الحديثة والمعادلات الحاكمة لتصنيع الترانسيستور والشرائح الدقيقة. والكورس الثالث عن تصميم الدوائر المدمجة الكثيفة (ديجيتال)

كنت ذكرت أن من الغباء أني أخذت ٣ كورسات فعلا صعبة لكن الاختيار نفسه من حلاوة الكورسات والاستفادة العظيمة منها فعلا محير. الكورسات في الجامعات الأمريكية عموما كنز ثمين .. كنت أسمع أنهم بمجهود كورسات سنتين يحصلون على الماجستير فأسخر منهم .. أما ما رأيت وعاينت اختلفت وجهة نظري تماما لأن بالفعل المجهود المبذول فيها لا يقل أبدا عن الماجستير البحثي.

بالإضافة للكورسات كان علي عمل دراسة بحثية مع المشرف. عرض علي عدة موضوعات معظمها كان شيقا لكن أحدهم لفت نظري وكان متعلقا بعمل نظم ميكرونية غزيرة كل منها بحجم حبة الملح يمكننا غرسها داخل المخ لتسجل إشارات الخلايا العصبية وترسلها لمحطة مركزية داخل المخ ومنها إلى الكمبيوتر بشكل لا سلكي. وكان هذا المشروع جديدا وليس به معلومات مطلقا ولم يعمل على فكرته أحد. لم أتردد كثيرا واخترت هذا المشروع وتفاجئ حينها المشرف من الاختيار لصعوبة المشروع مقارنة بالآخرين. في الواقع كان اختياري متوافقا مع ما كنت أرغب في عمله ومع الكورسات التي قررت تعلمها ولم ألتفت كثيرا لكون المطلوب في المشروع أشبه بالخيال العلمي. سأتحدث لاحقا عن المشروع – والذي استمتعت به جدا – في الوقت المناسب.

كذلك باءت محاولاتي في البحث عن وظيفة بالفشل خاصة أنه غير مصرح لطلاب فيزا F1 بالعمل سوى في نطاق الجامعة. كل الوظائف في المطعم والأنشطة الطلابية وغيرها كانت ممتلئة.
الضغط وصل لذروته والرعب من شبح الفشل يطاردني من كل اتجاه .. غربة .. دراسة صعبة .. كورسات تحتاج مجهودا خرافيا من غير المتخصصين مثلي.

لكن سأختم ببشرى 🙂
من فضل الله حققت تقدما في الدراسة البحثية واستطعت مع مشرفي تقديم مقترح بحثي لمركز الهندسة العصبية في الجامعة وتم اختياري لمنحتهم … حينها تغيرت الدنيا في نظري وصرت أكثر ثقة في نفسي وعملي. والحمد لله رب العالمين.

أما الكورسات فمع الأسف قصرت في أحدها وكان تراكمي الفصل الأول “A-” ومنذ ذلك الفصل القاسي توالت النعم والابتلاءات لكني لم أقل عن “A” بعد ذلك. وأصبح لي مرتب أستطيع أن أعيش به بشكل متواضع يعرفه كل من درس قبل ذلك 🙂

ما يهم الطالب هنا أن عمله في بحثه مع مشرفه أهم من الكورسات وتقديرها بكثير. لكن تقدير الكورسات يكون في أغلب ما ستتقدم له من وظائف بعد ذلك عاملا مساعدا. فحاول أن توازن وتختار أولوياتك جيدا.

إن مع العسر يسرا
ما زال لنا حكايات عن العسر واليسر في حلقات قادمة .. فحياة طالب العلم ليست وردية وليس للنجاح أو الفشل منتهى عنده نزعم أننا نجحنا أو فشلنا. إنما هي تراكمات تنتهي بموتك ومنها ما يبقى لما بعده.

مصادر:
١) الغش وأخلاقيات البحث: شاهد هذه المحاضرة

٢) معلومات عن الصدمة الحضارية
https://en.m.wikipedia.org/wiki/Culture_shock

#لعلها_تفيد – الحلقة الثانية: كل شئ سيتغير
<الخلاصة في آخر الحلقة>

في مثل هذا اليوم عام ٢٠٠٦ كان تبقى يوم واحد على تلك الرحلة التي لا وصف لها سوى أن طموحك قد أوصلك لها وصارت واقعا. من أكثر اللحظات القاسية هي عندما تفكر قبل السفر بيوم وتتأمل فتدرك أن غدا كل شئ سيتغير. خاصة فيما يتعلق بعلاقاتك.

علاقتك بوالديك ستتحول من رؤيتهم كل يوم والاستمتاع بعطفهم إلى حياة أخرى لن ينفعك فيها سوى الدعاء منهم.

علاقتك بإخوتك .. أخوك الأكبر الذي كنت تخرج معه وتتسامر وإخوتك الأصغر الذين كنت لهم بمثابة موجه أحيانا لن تستطيع متابعتهم كما كنت. سيتربون في عالم لن تراه وسيشقون طريقهم بمعزل عنك وستتبدل شخصياتهم إلى نضج تشكله بيئة لم تعد أنت جزءا منها. ربما فهمت حينها بكاء الآباء والأمهات من فراق أولادهم حين الزواج.

علاقتك بأصدقاء عمرك ودراستك ستتحول من مودة اللقاء إلى بضع اتصالات يتناسب حدوثها عكسيا مع مرور الوقت (تذكر من ١٠ سنوات لم يكن هناك فيس بوك) ..

رواد المسجد الذين كانت تربطكم المودة .. عّم سعيد الذي – يحسبه الجاهل غنيا من التعفف – وكنت تلتمس منه الدعاء ربما تراه مرة كل عام أو عامين. وغيره من الناس الطيبين الراقين.

أساتذتك ومكان عملك السابق … إلخ .. كل ذلك سيتغير كأنك ولدت في عالم جديد.

عند باب المطار ستجعل كل تلك الأفكار القاسية وراء ظهرك وتفكر فيما ستفعله حتى تكون محصلة هذه التجربة الجديدة إيجابية.

هبطت الطائرة في مطار منيابوليس وجلست ساعة أو أكثر في مكتب جانبي يحققون معي ويفتحون اللابتوب لرؤية ما عليه والتأكد من أني لن أزعجهم أمنيا ربما 🙂

لم أكن أعرف أحدا في المدينة .. ذهبت إلى سكني – كانت الواحدة ظهرا – وكان سكني عبارة عن غرفة ضيقة في أحد المنازل – لا تصلح سوى للنوم – وكل شئ آخر مشترك من حمام ومكتب ومكان للأكل والطبخ مع أشخاص آخرين. حاولت أكلم أهلي أطمنهم لكن كان علي شراء أحد الكروت من مكان آخر ففعلت ذلك في اليوم التالي.

أذكر أني كنت شعلة من الحماس والسرور لرؤية بلاد وناس جديدة والتفكير في تلك الأحلام التي ينتظر تحقيقها ولم أفكر في آلام الغربة سوى في وقت متأخر مع نهاية الشهر الثالث.

ذهبت في اليوم التالي للجامعة .. كانت لم تبدأ الدراسة بعد والتقيت حينها بالمشرف لأول مرة. كنت قد راسلته قبلها لآخذ رأيه في الكورسات التي يجب علي أخذها حتى أعمل معه في النظم الدقيقة فأرسل لي قائمة مشابهة بالفعل لما قمت بتحضيره. أغبى شئ عملته هو أني قمت بالتسجيل فيها كلها (٣ كورسات ثقيلة) بالإضافة للدراسة الجانبية مع المشرف.

كانت الكورسات كلها بعيدة عما درسته سابقا وكلها من كورسات الدراسات العليا أو المراحل المتقدمة بشكل عام. ربما مشكلتي الرئيسية أني لم أجد من أستشيره ممن مر بتجربتي .. نعمة فعلا أغبط عليها طلاب كثيرين تتوافر لهم تلك الخدمات الآن وهي والله لا تقدر بمال.

ولعل هذا هو الغرض الرئيسي من تلك الحلقات فهي ليس حكاية شخص ولكني أختار مواقف بعينها فيها دروس – بين طيات أسلوب قصصي – أراها مهمة جدا للمقبلين على الطريق.

كيف اخترت موضوع الدراسة البحثية؟ كيف كانت خبرتي المريرة في الكورسات؟ وكيف اجتزتها؟ وكيف كانت بدايات الصدمة الحضارية بعد أول ٣ أشهر ومع بداية سقوط الثلج وانعزال الشمس من الأفق؟ أجيب عن ذلك لاحقا

أخيرا .. نسيت أن أذكر في المرة السابقة أني في أوراق التقديم حرصت أن أذكر التراكمي الخاص بآخر سنتين في الكلية بشكل مستقل بالإضافة لتراكمي سنوات الكلية الخمسة. لعل هذا يشفع لي ويظهر للجان القبول في الجامعات أن منحنى التغيير عبر سنوات الكلية في الاتجاه الإيجابي.

دروس مستفادة لإخواني الطلاب الجدد:
– حاول تبرز ما يميزك في السيرة الذاتية
– تأهل نفسيا قبل السفر وفكر في التغييرات قبل أن تصدمك
– حاول تحجز السكن بمساعدة أحد من الجامعة أو الاتحادات الطلابية بها حتى لا تصدم
– لا تأخذ حملا شاقا من الكورسات في البداية خصوصا لو في غير تخصصك وخذ رأي مشرفك دائما
– اسأل الطلاب السابقين قدر المستطاع عن خبراتهم وحاول تبني عليها
– تعلم آثار وأعراض الصدمة الحضارية حتى إذا شعرت بها لا تعتقد أنك مجنون
– الرجال يبكون ولا شئ في ذلك .. المهم العمل والاجتهاد .. فقد فات وقت الشكوى

الحلقة القادمة – لحظات التعلم الأولى

#لعلها_تفيد – الحلقة الأولى: عشرة أعوام مضت

في مثل هذا اليوم عام ٢٠٠٦ كنت أجهز حقيبة السفر فلم يتبق سوى ٣ أيام على رحلتي إلى جامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة للعمل في الدكتوراة.

قبلها كنت في قمة التوهان. كنت أجتهد مع أحد زملائي لمعرفة متطلبات التقديم. امتحنت المطلوب وكتبت ما يسمى “personal statement” عندما أقرأها الآن أضحك من مستواها الردئ.

كنت عارف المجال الذي قررت العمل فيه. اشتغلت قبلها في رسالة الماجستير على تشخيص وتصنيف مرض توقف التنفس أثناء النوم باستخدام إحدى طرق تعلم الآلة “machine learning” وكان الهدف عمل جهاز يمكن للمريض استخدامه على سريره الطبيعي بدلا من أن يحتاج المبيت في معمل أمراض النوم. ربنا أكرمني بمشرف رائع (د. أحمد مرسي) كان رجع مصر من سنة تقريبا وربنا أكرمني بشخصيتين رائعتين: د. شهيرة لوزة التي كانت ترحب بي في عيادتها لأمراض النوم لأخذ ما أشاء من معلومات وسؤال ما أشاء، ود. هشام حامد في المعهد القومي للاتصالات حينها والذي تعلمت منه كثير من الأشياء في مجال الإلكترونيات. نشرت في الماجستير ٣ أوراق علمية في مؤتمرات خاصة بال IEEE وقبلها بعد البكالوريوس مباشرة واحدة في أول مؤتمر للهندسة الطبية ينظمه قسمنا في جامعة القاهرة.

أثناء البكالوريوس كان تقديري سئ أول سنتين وفي ثالث سنة وضعت هدف أني أحصد تقدير “ممتاز” فجبت تقدير “جيد جدا” وساعتها قررت أن يكون هدفي أن أحصد مستوى “الأول” على الدفعة لأَنِّي كنت عارف أني لو فشلت في هذا الهدف سأكون على الأقل حصدت تقدير “ممتاز” .. في تلك السنة كنت أقرأ وأترجم وألخص من المراجع مباشرة .. حصدت “الرابع” على الدفعة ذاك العام وطبعا تقدير “ممتاز” وذهبت لأقبل يد والدتي وأنا أبكي .. فهمت ساعتها أني لابد أن أضع هدف أعلى مما أريد تحقيقه وأن أعمل له حتى إذا تعثرت سأكون بلغت هدفي. في نهاية التخرج كنت “العاشر” على الدفعة بتقدير “جيد جدا”. ما أشد الندم الذي ينتابني وأنا أفكر في أول سنوات الكلية والاستهتار الذي كنت فيه. ثم أقول في نفسي “لعله خير” .. من حينها وأنا أنبه الطلاب على أهمية التقدير في الدراسة.

نرجع للماجستير .. أثناء الماجستير كنت أفكر في أن ربما الجهاز الذي أحاول عمله ليس هو المستقبل.. ربما علي التفكير في عمل أجهزة دقيقة يمكن غرسها في العضلة التي تراخيها يسبب غلق مجرى التنفس فيصاب المريض بتوقف التنفس وهو نائم. وكنت أفكر في أنه ربما المخ يستشعر من خلاياه قلة نسبة الأوكسجين في الدم ولو الجهاز موجود في المكان المناسب يمكنه قياس إشارة من المخ تدل على ذلك ومن ثم استحثاث إشارة لتحريك تلك العضلة. بسبب هذا التفكير عرفت أن علي العمل وتعلم النظم الكهروميكانيكية الميكرونية (MEMS) ولكن ليس هذا الوقت المناسب حيث علي إنهاء الماجستير وترك ذلك للدكتوراة. كان أكثر جامعة نفسي أعمل فيها هي جامعة ميشيجان ومع مجموعة بعينها هم رواد المجال.

عندما تقدمت بأوراقي – كانت مستواها مهزلة فعلا – قبلت في جامعة بكندا اسمها ماكجيل وجامعة مينيسوتا بدون دعم وجامعة نيويورك بدعم. بقية الجامعات اترفضت فيها. كنت مقدم على منحة فولبرايت وتم اختياري للمقابلة لكن هذا معناه انتظار عام كامل. ما كنت لأطيق الانتظار عاما كاملا .. ماذا سأفعل فيه؟!

كلمت الدكتور الذي أردت العمل معه في جامعة مينيسوتا .. كنت لا أصدق أني سيقبل أن أعمل معه لما عنده من براءات اختراع ونشرات ومشروعات .. طلبت منه الدعم فأخبرني أنه لن يستطيع وأنه مستعد لدعمي بعد عمل دراسة مصغرة معه. حينها أخبرت والدي أني يبدو سأنتظر عاما كاملا وقدر الله وما شاء فعل ربما منحة فولبرايت تأتي. لكن والدي حينها قال لي سافر ولا تحمل هما وحاول تتفوق مع المشرف بحيث يدعمني بعد أول ٤ أشهر.

توكلت على الله واستخرت وكنت معتبر أن على ظهري حمل وأمانة ثقيلة جدا .. ربنا وحده يعلم ..

بدأت في تحضير أوراق السفر وحجزت السكن أونلاين بنفسي فلم أكن أعرف أحدا ولم أكن أعلم أن هناك جمعيات في الجامعة يمكنها مساعدة الجدد.

هل يمكنني الحصول على عمل في الجامعة حتى ولو في المطعم أو أي نشاط تنظيمي؟ هل سأثبت جدارتي في مجال لم أتعلم أساسياته بعد؟ أليست هذه مخاطرة سأدافع ثمنها غال؟ ماذا ستكون نفقاتي الشهرية؟ .. إلخ

كل هذه وغيرها كانت أسئلة تدور في ذهني يوميا ومع كل موقف عصيب في بداية دراستي ومع كل معلومة لا أفهمها بسهولة وأجد أقراني يفهمونها بسرعة لأنها تسلسل طبيعي لدراستهم في البكالوريوس. كان ضغط شديد سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله.

المهم باقي ٣ أيام على الطائرة .. فلنرم كل هم وراء ظهورنا ولنستعن بالله .. فكلما تذكرت قصص من قرأت عنهم ومعاناتهم هان علي الكثير. ولعل الله يريد بِنَا الخير.