#لعلها_تفيد – الحلقة الخامسة: رفاق العمل ورسالة الماجستير
في البداية أود أن أذكر للفائدة أنه لا يوجد أسوار للكليات – على الأقل ما رأيته في الخارج – كما هو الحال في بعض دول العالم الثالث. يمكنك دخول أغلب المباني الجامعية ببطاقة الكلية.
عندما انضممت للمجموعة البحثية في جامعة منيسوتا كانت عبارة عن الأستاذ واثنان من الباحثين ما بعد الدكتوراة و٦ طلاب منهم أربعة كوريين وواحد هندي وواحد مصري (العبد لله)
التواصل مع الأستاذ والطالب الهندي كان سلسا لكن الجماعة الكوريين الجدد كان التواصل معهم شئ في منتهى الصعوبة ولغتهم الإنجليزية لا تسعف على الفهم. وسبب هذا لي مشكلة كبيرة مع كبير الطلاب آنذاك ولم أكن أريد أن أظهر بشكل سئ أمام مشرفي فاعتذرت للطالب وأرسلت له حينها رسالة مفادها أنه ربما مع الوقت تنمو صداقتنا ونتفاهم بشكل أفضل. وبالفعل حتى الآن هذا صديقي الأقرب في المجموعة ويعمل معي في نفس الشركة الآن وقد ساعدته – بحمد الله – عندما قدم للعمل في الشركة وكتبت له توصية ممتازة.
عاطفتنا كبشر تأبى أحيانا أن نعتذر إلا إذا اقتنعنا بكوننا مخطئين ولكن أحيانا بسبب سوء التواصل تحدث مشاكل لا يمكن الجزم فيها بموقع الخطأ والأفضل أن تقوم بفعل ما من شأنه تحريك العجلة والمياه الراكدة من جديد وتنحي العواطف السلبية جانبا. التغافل عن خطأ الغير والاعتذار أحيانا يمكن اعتمادهم من ضمن الوسائل الجيدة في استمرار العمل طالما ما نعمله له قيمة تستحق.
كذلك أود أن أنوه أن التواصل تحدياته أكبر من مجرد اللغة ولكن ذلك يشمل أشياء أخرى مثل التمازح (لن تفهم مزاحهم ربما في البداية) والغضب وغيره من المشاعر. فكل شعب يعبر بشكل مختلف نوعا ما. فلا تتعجل الحكم واعذر غيرك حين لا يفهمك.
كذلك في أي فريق عمل تقابلنا كثيرا مواقف نتصرف فيها بشكل عاطفي سلبي وأحمق أحيانا ولكن العقل والتروي يقول لك أن هذا العمل نبيل ومن شأنه نفعك وغيرك، فتعامل بحرفية ونحي العاطفة جانبا. فحتى وإن لم تحب عضو في فريق العمل هذا ليس معناه أن تتصابى ويكون رد فعلك كالأطفال “مش لاعب” 🙂
تذكر .. الحرفية والجلد في العمل من أسس نجاح عملك كفرد أو في فريق.
وَمِمَّا يسعف في المواقف الحرجة وتجاوز الضغوط أحيانا هو التفكير في قاعدة الخمس سنوات. اسأل نفسك: هل سيحدث هذا الموقف معي أثرا بعد سنة؟ سنتين؟ خمس سنوات؟ والإجابة عادة تكون “لا”. إذن لا تخاف من فعل ما هو صحيح حتى لو سبب لك حرج مؤقت. مع الأسف البعض تنقح عليه أوهام “الكرامة” الزائفة ويسارع بالتصرف الأحمق فيخسر كثيرا من أجل أوهام نفسية.
بعد التحاقي بالفريق بحوالي أسبوع طلب مني المشرف أن أقوم بعرض ما قمت به في مرحلة الماجستير. وشرحت في أول لقاء جوانب من عملي في رسالة الماجستير ومسببات وأعراض أمراض النوم وكيف استخدمت المنطق المبهم لاستكشاف المرض وتصنيفه. ما أسعدني هو أن المشرف والطلاب تعجبوا من أني قمت بهذا العمل بشكل كامل وأنه ليس عمل مشترك ما بين أكثر من طالب ماجستير. سعدت بهذا التعليق لأَنِّي أذكر أن أساتذة اللجنة عند مناقشة الماجستير في جامعة القاهرة كان لديهم نفس التعليق.
سأختم للفائدة حديثي هنا بذكر تفاصيل عن الماجستير. كان الموضوع متعلق باستكشاف أمراض النوم وتحديدا توقف التنفس أثناء النوم. معظمنا أكيد رأى شخصا يشخر أثناء نومه. كيف يحدث صوت الشخير؟ في الغالب مجرى التنفس يضيق قليلا ليكون مثل الصفارة فإذا مر فيه الهواء أصدر تلك السيمفونية المزعجة 🙂
بعض الناس – وعددهم كبير وقد لا يعرفون – تتراخى عندهم عضلة مسؤولة عن فتح مسار التنفس لدرجة أن المسار نفسه يغلق. في هذا الحالة يتوقف سريان الهواء إلى الرئة ويقل الأكسجين في الدم وينتبه المخ فيوقظ الشخص.
معنى ذلك أن الشخص أثناء النوم ممكن يتعرض لحلقات زمنية ربما تتجاوز ١٠ ثوان لكل ساعة نوم يتوقف فيها التنفس ويستيقظ لا إراديا لشهق بعض الهواء.
تخيل أنك أردت النوم ٦ ساعات متواصلة وأني أيقظتك مرة كل ساعة فهل جودة نومك كمن نامها متواصلة؟ بالطبع لا.
تجد أولئك الأشخاص كثيروا الصداع وقد ينام وهو في العمل أو ربما الأخطر أثناء قيادة السيارة وأكثر عرضة من غيره لأمراض القلب وغيرها.
للأسف كثيرون لا يعلمون أن عندهم هذا المرض. ومن يعرف عليه الذهاب لما يسمى معمل النوم ويبيت فيه بضع ليال ويتم قياس إشاراته الحيوية (حوالي ١٢ إشارة أو أكثر وتشمل المخ والقلب والتنفس والعضلات .. الخ) من خلال أجهزة متشعبة الأسلاك ناهيك عن التكلفة الكبيرة لهذه المعامل المتخصصة. كل تلك الإشارات تدخل على الكمبيوتر ويتم استخدامها لاستكشاف المرض وعدد النوبات التي حدثت للشخص من خلال برامج متخصصة غالية الثمن.
كان البحث يدور حول كيفية استكشاف المرض باستخدام جهاز بسيط يمكن للمريض استخدامه في منزله ويسجل ٣ إشارات فقط وليس كلها وبالتالي تقلل عدد الأسلاك ويسهل الاستخدام. كما يجب تطوير خوارزميات يمكنها استخدام تلك الإشارات الثلاثة لاستكشاف وتصنيف المرض.
بدأت حينها بعمل الخوارزميات باستخدام المنطق المبهم وكانت د. شهيرة لوزة تمدني بإشارات من تم دراستهم في معملها لكي اختبر مدى دقة ما طورته مقارنة بالسوفتوير الذي تستخدمه. وفي نهاية السنة الأولى تم – بتوفيق الله – تطوير خوارزم يستخدم فقط ٣ إشارات ويصل لنتائج أدق ويستكشف نوبات لم يستكشفها السوفتوير المستخدم.
ثم عكفت على تعلم بعض الأشياء التي تتعلق بكيفية تطوير الهاردوير المطلوب وكان د. هشام حامد يساعدني فيه وله فضل كبير في تعلمي لكثير من الأشياء في هذا المجال. لم أكمل عمل الهاردوير لكن ناقشت تصميمه وجدواه. كان علي التوقف لتجهيز أوراق سفري لمنيسوتا ومشرفي تفهم ذلك وقرر أن هذا العمل يكفي لمتطلبات الماجستير.
الحقيقة أن ربنا أكرمني بمشرف متميز – د. أحمد مرسي – كنّا نتناقش تقريبا بشكل أسبوعي وهو من عرفني بالدكاترة السابق ذكرهم. وكان نعم العون ونعم المفجر للأفكار 🙂
أذكر مفهوما لطيفا تعلمته منه، وهو أننا في بداية مشوارنا البحثي كمن معه كشاف ضوء وأمامه طريق متعرج لا يرى منه إلا بقدر ما يصل الضوء. علينا أن نسير بخطوات ثابتة نحو منتهى الضوء ثم نقرر بناءا على ما نراه هناك. وكلما زادت بصيرتنا وخبرتنا زاد منتهى الضوء واستطعنا رؤية المزيد والمشي نحوه بثقة أكبر.
فاللهم بارك لوالديّ ولكل من علمني ووجهني
والحمد لله رب العالمين