#لعلها_تفيد – الحلقة الثانية: كل شئ سيتغير
<الخلاصة في آخر الحلقة>
في مثل هذا اليوم عام ٢٠٠٦ كان تبقى يوم واحد على تلك الرحلة التي لا وصف لها سوى أن طموحك قد أوصلك لها وصارت واقعا. من أكثر اللحظات القاسية هي عندما تفكر قبل السفر بيوم وتتأمل فتدرك أن غدا كل شئ سيتغير. خاصة فيما يتعلق بعلاقاتك.
علاقتك بوالديك ستتحول من رؤيتهم كل يوم والاستمتاع بعطفهم إلى حياة أخرى لن ينفعك فيها سوى الدعاء منهم.
علاقتك بإخوتك .. أخوك الأكبر الذي كنت تخرج معه وتتسامر وإخوتك الأصغر الذين كنت لهم بمثابة موجه أحيانا لن تستطيع متابعتهم كما كنت. سيتربون في عالم لن تراه وسيشقون طريقهم بمعزل عنك وستتبدل شخصياتهم إلى نضج تشكله بيئة لم تعد أنت جزءا منها. ربما فهمت حينها بكاء الآباء والأمهات من فراق أولادهم حين الزواج.
علاقتك بأصدقاء عمرك ودراستك ستتحول من مودة اللقاء إلى بضع اتصالات يتناسب حدوثها عكسيا مع مرور الوقت (تذكر من ١٠ سنوات لم يكن هناك فيس بوك) ..
رواد المسجد الذين كانت تربطكم المودة .. عّم سعيد الذي – يحسبه الجاهل غنيا من التعفف – وكنت تلتمس منه الدعاء ربما تراه مرة كل عام أو عامين. وغيره من الناس الطيبين الراقين.
أساتذتك ومكان عملك السابق … إلخ .. كل ذلك سيتغير كأنك ولدت في عالم جديد.
عند باب المطار ستجعل كل تلك الأفكار القاسية وراء ظهرك وتفكر فيما ستفعله حتى تكون محصلة هذه التجربة الجديدة إيجابية.
هبطت الطائرة في مطار منيابوليس وجلست ساعة أو أكثر في مكتب جانبي يحققون معي ويفتحون اللابتوب لرؤية ما عليه والتأكد من أني لن أزعجهم أمنيا ربما 🙂
لم أكن أعرف أحدا في المدينة .. ذهبت إلى سكني – كانت الواحدة ظهرا – وكان سكني عبارة عن غرفة ضيقة في أحد المنازل – لا تصلح سوى للنوم – وكل شئ آخر مشترك من حمام ومكتب ومكان للأكل والطبخ مع أشخاص آخرين. حاولت أكلم أهلي أطمنهم لكن كان علي شراء أحد الكروت من مكان آخر ففعلت ذلك في اليوم التالي.
أذكر أني كنت شعلة من الحماس والسرور لرؤية بلاد وناس جديدة والتفكير في تلك الأحلام التي ينتظر تحقيقها ولم أفكر في آلام الغربة سوى في وقت متأخر مع نهاية الشهر الثالث.
ذهبت في اليوم التالي للجامعة .. كانت لم تبدأ الدراسة بعد والتقيت حينها بالمشرف لأول مرة. كنت قد راسلته قبلها لآخذ رأيه في الكورسات التي يجب علي أخذها حتى أعمل معه في النظم الدقيقة فأرسل لي قائمة مشابهة بالفعل لما قمت بتحضيره. أغبى شئ عملته هو أني قمت بالتسجيل فيها كلها (٣ كورسات ثقيلة) بالإضافة للدراسة الجانبية مع المشرف.
كانت الكورسات كلها بعيدة عما درسته سابقا وكلها من كورسات الدراسات العليا أو المراحل المتقدمة بشكل عام. ربما مشكلتي الرئيسية أني لم أجد من أستشيره ممن مر بتجربتي .. نعمة فعلا أغبط عليها طلاب كثيرين تتوافر لهم تلك الخدمات الآن وهي والله لا تقدر بمال.
ولعل هذا هو الغرض الرئيسي من تلك الحلقات فهي ليس حكاية شخص ولكني أختار مواقف بعينها فيها دروس – بين طيات أسلوب قصصي – أراها مهمة جدا للمقبلين على الطريق.
كيف اخترت موضوع الدراسة البحثية؟ كيف كانت خبرتي المريرة في الكورسات؟ وكيف اجتزتها؟ وكيف كانت بدايات الصدمة الحضارية بعد أول ٣ أشهر ومع بداية سقوط الثلج وانعزال الشمس من الأفق؟ أجيب عن ذلك لاحقا
أخيرا .. نسيت أن أذكر في المرة السابقة أني في أوراق التقديم حرصت أن أذكر التراكمي الخاص بآخر سنتين في الكلية بشكل مستقل بالإضافة لتراكمي سنوات الكلية الخمسة. لعل هذا يشفع لي ويظهر للجان القبول في الجامعات أن منحنى التغيير عبر سنوات الكلية في الاتجاه الإيجابي.
دروس مستفادة لإخواني الطلاب الجدد:
– حاول تبرز ما يميزك في السيرة الذاتية
– تأهل نفسيا قبل السفر وفكر في التغييرات قبل أن تصدمك
– حاول تحجز السكن بمساعدة أحد من الجامعة أو الاتحادات الطلابية بها حتى لا تصدم
– لا تأخذ حملا شاقا من الكورسات في البداية خصوصا لو في غير تخصصك وخذ رأي مشرفك دائما
– اسأل الطلاب السابقين قدر المستطاع عن خبراتهم وحاول تبني عليها
– تعلم آثار وأعراض الصدمة الحضارية حتى إذا شعرت بها لا تعتقد أنك مجنون
– الرجال يبكون ولا شئ في ذلك .. المهم العمل والاجتهاد .. فقد فات وقت الشكوى
الحلقة القادمة – لحظات التعلم الأولى