دروس من الغربة | الشعوب والبيئة الجديدة

التعامل مع بيئة وشعوب جديدة من أكبر التحديات التي ستواجهها وستتعلم منها ليس فقط عنهم هم ولكن عن نفسك أكثر. صدق ذلك أو لا تصدقه. ربما قبل هذه التجربة لم تعرف أنت الكثير عن نفسك ونقاط قوتك وضعفك. وهذا بلا شك ممتع جدا عندما تفكر فيه بعد ذلك وتتأمل في تغير طباعك ورؤيتك للأشياء.
والآن .. نزلت سيادتك من الطائرة وبدأت استقبال حياة جديدة وسط ناس ستتعرف عليهم لأول مرة. من أهم الأشياء التي لابد أن تعيرها انتباهك هو التعامل مع الناس بدون أن تعتبر ما كان يحدث في بيئتك مسلمات أو أنه هو الأصوب. حاول تفهم ظروف البيئة الجديدة وتعرف طباع تلك الشعوب دون سبق افتراض. سيسعفك في ذلك أيضا التعامل دوما بحرفية وحسن خلق خاصة مع زملائك ومشرفيك. سيجنبك ذلك أيضا العديد من المشاكل التي أنت في أمس الحاجة أن تبتعد عنها.
فيما يلي بعض صفات الشعوب – بشكل سطحي نوعا ما -وليس الغرض منها التعميم وإنما توضيح وتأكيد معنى التباين الذي قد لا تكون عايشته في بيئتك:
الأمريكان

عموما لطاف وترحابين في كلامهم .. لو وقعت عينك في عينه سيبتسم ويهز رأسه كأنه يحييك. أحيانا قد يستخدم ألفاظا قد تضايقك لكنه لا يقصد مسبتك وإنما هي كلمة أو كلمات تدرج على ألسنة بعضهم. أعطي لنفسك الفرصة ولا تتعجل الحكم. في غالب الأحيان ستجد معملاتهم محترفة وعملية جدا مهما بدا لك منهم الهزار والضحك.
الصينيون:

في طبيعة الحال إذا كانوا حديثي عهد بغربة مثلك ستجدهم في هدوء وسكينة أثناء العمل قد تشل منهم. سيمر عليك وربما تقع عينك في عينه فلا يسلم عليك ولا يصبح ولا يمسي. سيأتي صباحا على مكتبه أو مكان عمله فيعمل في صمت كالماكينة. قليل جدا منهم اجتماعيين خاصة في أول التعارف. 
اليابانيون:

لن تجدهم كثيرا سوى في جامعات القمة. هادئين في أغلبهم ولا يخالطون غيرهم كثيرا. عند التعامل معهم ستجدهم في الأغلب لطفاء وعمليين جدا. 
الهنود:

هؤلاء حبايبك 🙂 تقريبا هم الأقرب طباعا من الأسيويين لشعوب الشرق الأوسط. الإنجليزي عندهم ممتاز لكن النطق فيه لكنة عندهم لكنهم مقارنة بالأسيويين في القمة بالنسبة للغة. كذلك هم أكثر انفتاحا واجتماعيين في أغلبهم ومتنوعي الطبقات والطباع بحيث يصعب وضعهم في قالب موحد.
الأوروبيون:

كذلك قلة على حسب البلد والجامعة. الجماعة القادمين من أوروبا الشرقية ستجد عندهم في الأغلب نوع من القسوة والغلظة لكن هذه مجرد طبيعتهم ولعلهم الأعلى صوتا عند الضحك أحيانا. القريبين من البحر المتوسط ستشعر معهم أنهم أقرب لشعوبنا في النواحي السلبية. وبقية أوروبا -مثل الألمان والهولنديين – ستجد التعامل معهم مريحا في الأغلب وعملي جدا. 
الكوريون:

مزيج فريد بين الصينيين والهنود وربما الأوروبيون. هم أكثر الشعوب الشرق آسيوية انفتاحا على الأمريكان. سيصعب عليك التعامل معهم ربما في البداية لكنهم من أفضل الشعوب في الجمع بين حب العمل والفطنة.
كل ما شرحته الآن لك أشياء سطحية ستلاحظها في البداية وهي لا تعبر بالضرورة عن طباع هؤلاء في موطنهم الأصلي. فأنت مثلا لا تعبر عن بني جلدتك كذلك بالضرورة. 
لو انتقلت بين أكثر من جامعة أو مكان عمل ستجد في الأغلب أنه مع زيادة مستوى المكان يكون التعامل مع الناس واحترامهم أكثر سلاسة. وطباعهم أميل للعملية مع انفتاح أكثر في عقلياتهم.
 لتجعل تعاملك كذلك سلسا .. من أهم ما يجب تجنبه في التعامل مع الناس الفهلوة وسوء الظن ونظرية المؤامرة. فإذا كنت في مجموعة معظمها من صنف واحد ووجدتهم يجتمعون معا بدونك ويذهبون للمطعم معا فلا ينبغي أن تفهم أنهم مضطهدين لك. أنت نفسك قد تفعل مثلهم لو كنت مكانهم بدون أن تنظر للأقلية في مجموعتك.

بعد شهور وسنوات من العشرة ستكون فهمت كل شئ بعمق وعرفت طبائع أفراد وشعوب كثيرة ستجعلك أفضل في التعامل معها. لكن الأهم أنك ستكون صداقات منهم جميعا لم تكن تتخيلها. وفي الغالب ستجدهم عمليين أكثر من أي شئ آخر فلعل ذلك يزيد في قدرتك العملية ويجعلك أكثر تثمينا لوقتك.
خلاصة ما أريد قوله: حاول أن تكون كالكشافة وليكن عندك الفضول الكافي دون افتراض مسبق لتحاول فهم تلك الشعوب الجديدة وأن تفهم عن نفسك شخصيا الكثير وعن قدراتك ومرونتك. أَعْط لنفسك الفرصة ولا تعتقد أن تصرفات أو كلام أو ملامح الناس تعبر عن نفس المعاني التي تعرفها في بني جلدتك. تعامل بشكل عملي محترف وليس بشكل عاطفي أخرق في مواقفك معهم وسيساعدك ذلك على الوصول لهدفك بدون معوقات. 
الموضوع ليس سهلا بالتأكيد وأتمنى لو سمح الوقت أن أتحدث عن الذكاء العاطفي والاحترافية والعملية في التعامل في المرات القادمة .. فلدي ما أريد طرحه بهذا الصدد .. لكن مرحبا بالمقترحات لموضوعات أخرى والأسئلة.
وحتى يكون المقال لطيفا سأختم هنا بأمثلة في ذاكرتي من المواقف والطرائف التي سمعت عنها من أشخاص أو عايشتها وكان الحكم فيها ليس صحيحا 🙂

– زميلك أو زميلتك في الفصل أو المعمل لما يضحكوا معك ليس معنى ذلك أنهم واقعين في حبك وغرامك 🙂

– مشرفك عندما يمزح معك ليس معنى ذلك أن تنفتح معه على البحري وتروح تطلب منه أجازات عمال على بطال .. عندك شغل يا أستاذ!

– عندما يقابلك أحد بابتسامة في الشارع فهذا لا يعني أنه يعرفك أو أنه يريد الحديث معك .. 

– عندما ترى أحدهم – من شرق آسيا مثلا – ساكنا قليل الكلام فليس معنى هذا أنه يكرهك.

– إذا تحدثت مجموعة في العمل بلغتهم التي لا تفهمها فهذا لا يعني أنك محور الحديث وأنهم يتآمرون عليك.

– لو كنت تصلي في العمل وجاء أحدهم ليكلمك وظل يكلمك فهذا ليس معناه أنه متعمد أن يفسد عليك خلوتك .. هو لا يفهم سوى أنك تقوم الآن بالتريض 🙂

– لو ذهبت لزميلك أو مشرفك في المكتب وبلغك بتكشيره أنه ليس لديه وقت الآن فلا تأكل في نفسك وتحلم بالكوابيس أنه سيطردك من العمل 🙂

– لو لغتك أو لغة من تتحدث معه ضعيفة أرجوك لا تهز رأسك  وتعمل نفسك فاهم .. ليس ذلك في مصلحتك 🙂

– في أي مصادمات تعتقد أنك الطرف الأصوب فيها لا تستبعد احتمالية أنك المخطئ أو لم تستوعب ما حدث .. والاعتذار ليس عيبا عند اكتشاف ذلك 
نفس عميق! احمد ربنا على هذه التجربة ..  كله سهل بالتمرين والاستعانة والتفكير في المستقبل الأفضل .. التعلم نعمة 🙂

One thought on “دروس من الغربة | الشعوب والبيئة الجديدة

Leave a comment